وهناك ما يتحرك بالفعل. فقد انعقدت الشهر الماضي دورة عام 2025 من فعالية LECTURALAB 25، وهو منتدى يُخصَّص سنوياً لاستكشاف أبعاد مختلفة للقراءة من منظور مبتكر وغير تقليدي. تنظّم هذا المنتدى مؤسسة GSR في مدريد، ويستقطب عدداً كبيراً من المتخصصين في تعزيز القراءة وصناعة النشر.
شهدت LECTURALAB 25 حواراً متعدد المستويات حول مستقبل القراءة ودورها الجوهري في صون الحياة الديمقراطية. وأكّد المتحدثون عبر جلسات المنتدى قناعة مشتركة مفادها أنه في عالم يتسم بتزايد التشبّع الرقمي وهشاشة النظم الديمقراطية، أصبحت القراءة الطموحة—القراءة العميقة، التأملية، والبنيوية—ليست مجرد نشاط ثقافي، بل ضرورة مدنية لا غنى عنها.
قدّم ويلفريد أدميرال وكريستين إينارسون مبادرتين أوروبيتين يجري العمل عليهما حالياً. تهدف مبادرة DemRead إلى دمج القراءة المتقدمة في صميم التربية المدنية، باعتبارها جزءاً بنيوياً من تكوين المواطن لا مجرد إثراء اختياري. أما مبادرة DemRead Boost فتمضي خطوة أبعد، من خلال إنشاء شبكة من المدن الأوروبية التي ستتشارك في تصميم برامج قراءة، وتأسيس مجالس شبابية تربط بين القراءة والمشاركة المدنية.
تشترك المبادرتان في مهمة واضحة: تحويل نتائج الأبحاث المتعلقة بالقراءة العميقة إلى أدوات عملية تسهم في تعزيز الثقافة الديمقراطية في مختلف أنحاء القارة.
أبرزت البيانات الداعمة حجم الإلحاح وراء هذه الجهود. فقد أشار إينارسون إلى أن أحدث أرقام معهد V-Dem تُظهر أن الديمقراطيات الليبرالية أصبحت اليوم أقلية عالمية، في حين تراجعت حرية التعبير في عشرات الدول خلال العام الماضي وحده. وفي ظل هذا الواقع، يقدّم نموذج ليلهامر—حيث تُوضع القراءة عمداً في قلب الحياة العامة—تذكيراً قوياً بأن مجتمعات القراءة قادرة على حماية القيم الديمقراطية واستدامتها.
وفي الجلسة الثانية، شاركت المنصة مع ميها كوفاتش لمناقشة الحواجز الثقافية والرمزية التي لا تزال تُبعد شرائح واسعة من الناس عن القراءة المتقدمة. واستشهدت بنتائج مجموعات تركيز بحثية وصف فيها غير القرّاء «القارئ النموذجي» بأنه رجل ثري، متقدم في السن، محاط بكتب ذات أغلفة جلدية. أستحضر هذا المثال دائماً لأنه يكشف استمرار تصور القراءة كممارسة نخبوية ارتبطت تاريخياً بالسلطة والامتياز الاجتماعي. تفكيك هذه الصور الذهنية ضرورة إذا أردنا للقراءة الطموحة أن تُفهم بوصفها ممارسة متاحة وضرورية للجميع، لا امتيازاً حصرياً لفئة قليلة.
قدّم كوفاتش بُعداً تجريبياً لافتاً إلى النقاش. فاستناداً إلى بيانات دولية حول مهارات القراءة، أشار إلى ارتباط مذهل: الدول التي يتمتع فيها البالغون بقدرة عالية على قراءة النصوص الطويلة والمعقدة هي ذاتها الأكثر ابتكاراً والأكثر ديمقراطية. فكلما ارتفع مستوى القراءة المتقدمة، ارتفع معه الابتكار والديمقراطية الليبرالية، والعكس صحيح. وبرأي كوفاتش، يؤكد هذا الارتباط ضرورة الدفاع عن ممارسات القراءة المتطلبة في زمن يتجه فيه الاهتمام الثقافي إلى أماكن أخرى.
كما شددنا على القوة التحويلية للأدب الروائي على وجه الخصوص. فالرواية تنمّي التعاطف، والقدرة على تبنّي وجهات نظر مختلفة، والتفكير الاستراتيجي—وهي مهارات أساسية ليس فقط للنمو الشخصي، بل للتعايش الديمقراطي أيضاً. وتُظهر الدراسات أن الكثير من قادة قطاع التكنولوجيا ينحدرون من خلفيات في العلوم الإنسانية، ما يشير إلى أن الفهم السردي لا يزال مركزياً حتى في عصر تهيمن عليه التقنيات الرقمية.
لاحقاً، قدّم إمانويلي كاستانو قراءة تاريخية للتحوّل الذي شهده دور السرد: فبينما كانت الحكايات تُستخدم قديماً لتماسك الجماعات وتعزيز الهوية المشتركة، أصبحت القصّة الأدبية اليوم بوابة لتوسيع التعاطف خارج حدود المجموعة المباشرة. ومن خلال إدخال الغموض والتعقيد وتعدد وجهات النظر، تدفع الرواية القارئ إلى تجاوز الهويات الضيقة وفتح المجال للاهتمام بالأقليات وحقوق الإنسان.
أما كريستوف بلايزي فدعا إلى مزيد من الدقة عند الحديث عن فوائد القراءة. وأشار إلى أن ممارسات القراءة ليست متساوية في أثرها؛ فالاستماع إلى كتاب صوتي أثناء الركض، على سبيل المثال، يختلف معرفياً عن قراءة نص معقد على الورق. وربط النتائج المحددة—كالقدرة على التعاطف أو التفكير التحليلي—بأنماط قراءة محددة هو أمر أساسي لتصميم سياسات تعليمية وثقافية فعالة.
معاً، قدّم كاستانو وبلايزي ملامح أبحاث جارية تهدف إلى اختبار الصلة بين القراءة الطموحة والعقلية الديمقراطية بصورة تجريبية. فمن خلال مراقبة كيفية تأثير ممارسات القراءة المختلفة على انفتاح الطلاب على الحوار، وثقتهم بالمؤسسات، ومشاركتهم civically، يأمل الباحثون في بناء قاعدة أدلة يمكن أن توجه تطوير المناهج الدراسية، وتدريب المعلمين، وبرامج الشباب.
اختُتمت فعاليات LECTURALAB 25 دون إجابات نهائية، ولكن برؤية أوضح للمسار المقبل. فإذا أردنا للقراءة أن تدعم الحياة الديمقراطية، فليس كافياً الاكتفاء بقول «القراءة مفيدة». علينا أن نفهم ماذا نقرأ، وكيف نقرأ، ولماذا تكتسب بعض أشكال القراءة أهمية متزايدة اليوم. في هذا الفهم يكمن مسار — ربما ليس المسار الوحيد، لكنه مسارٌ أساسي — نحو مستقبل أكثر ديمقراطية.