على مدى السنوات الثلاث الماضية، قامت مؤسسة GSR، التي أترأسها، بتنظيم فعاليات وإجراء دورات تدريبية تهدف إلى دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في صناعة النشر. وبالتوازي مع ذلك، سعينا إلى فهم تأثير التقنيات الرقمية على مهارات القراءة، ولا سيما لدى الجيلين الأصغر سنًا — جيل زد (Gen Z) وجيل ألفا (Gen Alpha).
ولهذا السبب، طلبنا من نعومي بارون، الحاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة ستانفورد، والباحثة المعروفة في مجال مهارات اللغة [وكانت متحدثة في المؤتمر الدولي للناشرين في جاكرتا عام 2022]، أن تشاركنا أفكارها حول هذا الموضوع ضمن فعاليات LECTURALAB لعام 2024. تعمل البروفيسورة بارون أستاذةً في جامعة براون (Brown University)، وقد أجرت على مدى سنوات بحوثًا متعمقة حول اللغة والتكنولوجيا، شملت مواضيع مثل تأثير الحواسيب على التواصل، واستخدام اللغة في العصر الرقمي، ودور فيسبوك في التفاعلات الاجتماعية عبر الإنترنت بين طلاب الجامعات الأمريكية.
بعد فعاليات LECTURALAB، قمنا بتصميم مبادرات تجريبية جديدة وتعديل بعض المشاريع لتتلاءم مع الواقع الحالي الذي أصبح فيه العديد من الأشخاص يفضّلون أن تتولى أدوات الذكاء الاصطناعي المهام عنهم. وقد بقينا على تواصل مع البروفيسورة بارون، ولفت انتباهي عندما أخبرتني أن الحدث وبعض النقاشات الجانبية فيه أثّرت على مقالٍ نشرته وعلى كتابٍ جديد تعمل عليه.
كتابها المرتقب بعنوان «روبوت القارئ: ماذا يحدث عندما يقرأ الذكاء الاصطناعي ولماذا يهم ذلك؟» (Reader Bot: What Happens When AI Reads and Why It Matters)، الصادر عن جامعة ستانفورد للنشر في يناير 2026، أتاح لنا فرصةً لمناقشة بعض الجوانب التي أثارت اهتمامي. في البداية، تحدثنا عن تأثير الذكاء الاصطناعي على تراجع القراءة من أجل المتعة، حيث أعربت البروفيسورة بارون عن قلقها من أن قدرة الذكاء الاصطناعي على القراءة نيابةً عنا قد تُضعف إحساسنا بقيمة القراءة والكتابة، قائلةً: “من يستمتعون بالقراءة سيواصلون على الأرجح القراءة من أجل المتعة، ولكن ماذا عن القرّاء المترددين؟ ماذا عن أولئك الذين فقدوا عادة القراءة؟ مع تفويضنا المتزايد لأدوات الذكاء الاصطناعي لأداء مهام القراءة الإلزامية، أخشى أن نصبح أقل استعدادًا لقراءة النصوص بأنفسنا […] وأن نعتبر هذا النشاط أقل طبيعية وأقل قيمة.”
أما فيما يتعلق بالتأثيرات طويلة المدى للسماح للذكاء الاصطناعي بالقراءة عنا، فقد أوضحت بارون: تشير الأبحاث التجريبية والملاحظات المتكررة من مفكرين ومتعلمين إلى أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي في التفكير يهدد قدراتنا الإدراكية. وينطبق ذلك على القراءة، وكذلك على حل المشكلات والإبداع وغيرها. فالتفكير مهارة، وكغيرها من المهارات، تتحسن بالممارسة. والأهم، ما لم نكن قادرين على التفكير بأنفسنا، فكيف يمكننا أن نحكم على صحة ما ينتجه الذكاء الاصطناعي؟ وماذا يحدث إذا لم يكن الذكاء الاصطناعي متاحًا؟ كنت أسأل طلابي سابقًا: ماذا تعرفون عندما ينقطع الإنترنت؟ أما اليوم، فأقول لهم: ما المشكلات التي يمكنكم حلها؟ ما الذي يمكنكم كتابته؟ وما النصوص التي يمكنكم تحليلها عندما لا يكون نموذج الذكاء الاصطناعي المفضل لديكم متاحًا؟”
كما تطرقت بارون إلى الاستخدام المتزن للذكاء الاصطناعي في حياتنا كقرّاء أو محترفين، موضحةً: “يواجه الناس يوميًا تحديات في إيجاد التوازن في حياتهم. هل تسير على قدميك أم تقود السيارة؟ (الأولى أفضل لصحتك لكنها تتطلب جهدًا أكبر). الأمر ذاته ينطبق على استخدام المصعد أو صعود الدرج، أو تناول قطعة كرواسون إضافية رغم أن نظامك الغذائي يمنعك. الصراع الداخلي بين الإرادة والعقلانية أمر مألوف. في مواجهة هذه المعضلات، لا يتخذ الجميع الخيار نفسه. وهذا ينطبق على المشي، أو تناول الكرواسون، أو اختيار قراءة النص بنفسك مقابل تركه للذكاء الاصطناعي. المهم في جميع هذه الحالات هو الوعي بأن لكل قرار عواقبه. علينا أن نحدّد أهدافنا بوضوح وأن نذكّر أنفسنا بها عندما تساورنا الرغبة في التنازل عنها.”
وفي الختام، لا يسعني إلا أن أشارك اقتباسًا ملهمًا من البروفيسورة بارون حول المحفزات أثناء القراءة: “عندما أفكر في الذكاء الاصطناعي والقراءة، لا يقلقني تأثيره على ترتيبات اختبارات القراءة الدولية مثل PISA أو PIRLS أو NAEP، بل يهمني أن نحافظ على القيمة الإنسانية الكاملة للقراءة. القراءة ليست فقط لتعلم المعلومات أو تنمية مهارات التحليل والنقد والتفكير — رغم أهمية ذلك — بل تشمل أيضًا القراءة للمتعة، للهرب من الواقع، وللتشارك في عوالم الآخرين. أستذكر زميلًا يدير مشروعًا لكتابة الشعر في السجون مع نزلاء محكومين بالإعدام. ربما يتساءل المرء: كيف يمكن إقناع هؤلاء بأن كتابة الشعر تستحق العناء؟ ومع ذلك، فهم يكتبون. فمهارتا القراءة والكتابة تمنحان مكافآت شخصية لا تُقاس إحصائيًا. وإذا استطعنا أن نقنع الأطفال بأن القراءة مكافأة بحد ذاتها، فربما تتبعها مهارات قراءة أعلى بطبيعة الحال.”
إنها اللحظة المناسبة لطرح سؤال جوهري: هل ما زالت المهارات الإدراكية — التي يهددها اعتمادنا المتزايد على الذكاء الاصطناعي في القراءة — ذات صلة أساسية؟ أم أن فقدانها يمثل ثمنًا تدفعه الأجيال الشابة مقابل الراحة والاعتماد على التكنولوجيا؟