من الواضح أنه، بحكم دوري في اللجنة الفرعية لمحو الأمية التابعة للاتحاد الدولي للناشرين، يتعيّن عليّ السعي إلى فهم التحديات المتنوعة التي تواجه القراءة في مختلف أنحاء العالم.
وتُعد المكسيك البلد الذي يضم أكبر عدد من الناطقين باللغة الإسبانية. وقد أتيحت لي مؤخرًا فرصة المشاركة في معرض غوادالاخارا الدولي للكتاب (FIL)، والتعرّف عن قرب على ما يتميّز به زوّار المعرض من لطف وشغف بالقراءة والتعلّم — وهو أمر يلقى صدىً عميقًا لدينا نحن الإسبان. وكما هي الحال دائمًا عند زيارتي للمكسيك، كانت هذه التجربة مؤثرة، وأعادت إلى ذهني مشاركتي السابقة بصفتي مستشارًا دوليًا في تطوير مشروعين بحثيين حول سلوكيات القراءة.
وقد دفعني ذلك إلى التساؤل عن الوضع الراهن للقراءة في المكسيك، لا سيما أنني لم أتمكّن من الاطلاع على بيانات أو دراسات أحدث من تلك التي شاركتُ فيها سابقًا. وخلال وجودي في المعرض، صادفتُ هوغو سيتزر — رئيس الاتحاد الدولي للناشرين للفترة 2019–2020 — في أحد تلك اللقاءات العابرة التي تميّز مثل هذه الفعاليات، وكنت حريصًا على سؤاله عن هذه المسألة. ويشغل هوغو سيتزر حاليًا منصب المدير القطري لدار Hogrefe Manual Moderno، كما شغل منصب رئيس غرفة صناعة الكتاب المكسيكية (CANIEM) حتى بضعة أشهر مضت. وأنا أتابع بانتظام مقالاته الأسبوعية التي ينشرها كل يوم أحد في صحيفة El Universal، حيث يتناول فيها مجموعة من القضايا المهمة، وغالبًا ما يكتب عن واقع القراءة في المكسيك.
وعندما تحدّثتُ إلى هوغو، سألته عن وجهة نظره بشأن المشكلات التي تواجه القراءة في بلاده، فأجابني قائلًا: «هناك عوامل كثيرة. لا يتم تشجيع القراءة في المنزل ولا في المدرسة. وغالبًا ما تُقدَّم القراءة بوصفها نوعًا من العقاب إذا لم يُحسن الطفل السلوك. ولا توجد حوافز تشجّع اليافعين على زيارة المكتبات أو المكتبات العامة، إذ تقوم الحكومة بتوزيع الكتب المدرسية للتعليم الأساسي (من الروضة حتى المرحلة الثانوية) مباشرة على المدارس. كما لا توجد سياسات عامة تعترف بأهمية الكتب والقراءة في بناء مجتمع أكثر تطورًا».
يتوافق هذا الوضع تمامًا مع المعطيات التي اطّلعتُ عليها عندما شاركتُ في دراسات سابقة، مثل الدراسة التي أجراها كوناكولتا (Conaculta)، وزارة الثقافة آنذاك. ويرتبط ذلك أيضًا بالفارق الكبير الذي لطالما لاحظته بين أوروبا والمكسيك فيما يتعلق بدور القراءة من أجل المتعة، وهو ما أكّده لي هوغو بقوله: «ليست لديّ الأرقام الدقيقة في هذه اللحظة، لكن الجزء الأكبر من مبيعات الكتب يذهب إلى القطاع التعليمي. وهناك شريحة صغيرة نسبيًا من السكان تقرأ بكثافة، في مقابل شريحة كبيرة لا تقرأ على الإطلاق. كما توجد منافسة شرسة على وقت المستهلكين داخل صناعة الترفيه؛ إذ تتنافس الكتب مع العديد من المشتّتات الرقمية مثل نتفليكس ووسائل التواصل الاجتماعي».
بالنسبة لي، يكمن الاختلاف الأكبر بين الواقع الذي أعيشه والواقع في بلدان مثل المكسيك في أن الدافع الأساسي للقراءة هناك يبدو وظيفيًا بوضوح. إذ تُظهر الدراسات الكمية والنوعية على حدّ سواء أن القراءة تُنظَر إليها باعتبارها وسيلة لتحسين المسار الأكاديمي والمهني. ولا أرى في اعتبار القراءة أداة لتحسين الحياة وتعزيز الحراك الاجتماعي أمرًا سلبيًا في حد ذاته، لكنني آمل أن يأتي يوم تنظر فيه المجتمع المكسيكي إلى القراءة أيضًا بوصفها متعةً بحد ذاتها، ومصدرًا لإثراء الفرد وتغذية تجربته الإنسانية.
ويرجّح أن يعتمد ذلك على تطبيق سياسات حكومية ذكية وطويلة الأمد. ويقول لي هوغو سيتزر: «حاولنا إقناع الحكومة بأهمية القراءة والكتب بوصفها محرّكات للتنمية الثقافية والاقتصادية، لكن دون نجاح يُذكر. فبالنسبة للحكومة المكسيكية، تتمثّل الحلول في أن تتولى الدولة بنفسها إنتاج الكتب وتوزيعها. إذ تنتج الحكومة، بصفتها جهة احتكارية، كتابًا مدرسيًا واحدًا للتعليم من الروضة حتى المرحلة الثانوية (K-12)، كما تمتلك وتدعم إحدى أكبر دور النشر في البلاد، إضافةً إلى سلسلة مهمة من المكتبات».
ويؤكد ذلك تصوّري لسياسات القراءة في هذا البلد. فقد ساد في المكسيك، تقليديًا، نهجٌ تدخّلي تقوده الدولة، وهو نهج أرى — من وجهة نظري الشخصية — أنه يؤثّر سلبًا في مستقبل صناعة نشر تتمتع بإمكانات نمو هائلة، والأهم من ذلك، في إتاحة الفرصة لتلك العائلات الطيّبة والودودة التي أتحدّث معها في الشارع أو في أروقة المعرض، لكي تُدرج الكتب والقراءة في حياتها اليومية بوصفها جزءًا أصيلًا من البيت، لا امتيازًا محصورًا في قلةٍ قليلة من المحظوظين.
ومع ذلك، أؤمن بأن إطلاق إمكانات القراءة يظل ممكنًا في مجتمع يبدو متعطشًا لتحسين حياته والاستمتاع بها. وربما ينبغي أن نبدأ بفهمٍ عميق للتحديات الأكثر إلحاحًا، ثم العمل على تصميم سياسات بالتعاون مع مهنيي صناعة الكتاب وقطاع التعليم — سياسات تمتد على مدى ولايتين رئاسيتين لضمان الاستمرارية والأثر.
إنني على قناعة تامة بأن مثل هذا النهج من شأنه أن يدفع هذا البلد العظيم إلى الأمام. فالقراءة هي مفتاح التقدّم.